آخر لكان حاصلا للإنسان ؛ لأنّ طبيعته انتقلت من الحيوانية الصرفة إلى النطقية التي هي فوقها ، فلمّا لم يحصل ، علمنا أنّ الحواس منحصرة في الخمس.
وأيضا قد ثبت أن الكيفيات المحسوسة لا يمكن أن تكون فوق ستّة عشر المحسوسة بالذات ، والثلاثة المحسوسة بالعرض ، أعني الحركة والسكون والشكل ، فلا جسم مكيّف بكيفيّة من الكيفيات المحسوسة ما خلا هذه المحسوسات ، فلا حاسّة في الوجود ، ولا في الإمكان غير الّتي تدرك هذه المحسوسات.
وقد بيّنا في التشريح محل هذه الأملاك الحساسة من البدن ، وذكرنا مدركاتها ، وآلاتها ، وإنما بقي علينا أن نبيّن كيفية إدراكاتها ، وتمييز الأهم منها ، والأشرف ، والألطف ، وترتيبها في ذلك ، فنحن الآن بصدد ذلك.
فصل
قد دريت أنّ المدرك لا بدّ وأن يستكمل بالمدرك ، بأن تكون نسبته إليه كنسبة القوّة إلى الفعل ، والنقص إلى الكمال ؛ وذلك إنّما يتصور بأن يكون خاليا عنه ، أو يكون بمنزلة الخالي.
وأيضا الشيء إنّما ينفعل ويتأثّر عند ورود الضدّ ، لا الشبيه ، وبيّن أن مزاج الحيوان ـ بما هو حيوان ـ من جنس الكيفيات الملموسة ، وقد مرّ أيضا أن الممتزج إذا اعتدل في كيفياته صار ذا صورة وحدانية جامعة بوحدانيته لكمال تلك الصور الّتي تركب منها ، والصورة ليست إلّا مبدأ تلك الكيفيات ، والاتحاد في ذي المبدأ يلزم الاتحاد في مبدئه.