ويغوص في جرم المحلّ ، أو يتكيّف بكيفية المدرك ، ويوصلها إلى المحل.
لست أقول : بشخص كيفية ؛ لامتناع انتقال الأعراض ، بل بكيفية من نوعها ، بإفاضة الله سبحانه عليه ، بسبب الإعداد الحاصل من المخالطة ، على النحو الخاص ، أو يصير ذلك الجرم واسطة من دون مخالطة ، ولا تكيّف ، بل على نحو آخر نذكره.
وعلى التقادير الثلاث يكون له ـ لا محالة ـ اتصال ما بالبدن ؛ لاشتراكهما في المادة ، فإنّ مادّة جميع العناصر والمركّبات واحدة ، والاتصال ضرب من الاتحاد ؛ لأنّ المتصلين موجودان بوجود واحد ، ولها هوية واحدة ، فكما يكون للنفس أن تتنبه لما يحدث في البدن ، فكذلك لها أن تتنبه لما يتصل بالبدن ، أو يرتبط به ارتباطا خاصا وضعيا ؛ لأنّ الاتحاد في الوضع كالاتحاد في الوجود ، وهذا سبب تأثر النفس من عوارض ما يطيف بالبدن ، ويتصل به ؛ إذ المجموع ، أعني المتصل والمتصل به ، كأنهما بدن واحد للنفس ، فيختبر عن حال أحدهما بالآخر ، فبهذا الاتصال تدرك النفس بواسطة هذه الأملاك المسماة بالقوى الّتي هي بمنزلة جوارحها المجرّدة المعنوية ، ومراتبها المتنزلة ، وجهاتها الاعتبارية ، وحيثيات تعلّقها بأجزاء البدن المحسوسات الأربع ، ما خلا الملموسات.
وذلك الجرم اللطيف المتوسط إمّا في الذوق ، فهو الرطوبة اللعابية الغائصة في جرم اللسان ، ويتوقّف الإدراك فيه على المماسة الصرفة ، ولهذا أرجع بعضهم الكيفيات المذوقة إلى الملموسات ، فالذوق لمس لطيف كمالي ، نسبته إليه نسبة الكمال إلى النقص ، فكلّ ذوق لمس في الحقيقة ، ولا عكس كليا ، فهو أعم الحواس الخمسة ، وأهمها ، بعد اللمس ، وأشبه القوى به.
وأمّا في الشم والسمع فهو الهواء المنفعل ، والشم أعم ، وأهم ، بعد الأولين ،