لأنها تجري مجرى المادّة الّتي إنما يحتاج إليها الشيء لأجل قصور وجوده عن التفرّد بذاته دون قوّة تحمل حقيقته ، وإذا استكمل وصار بالفعل استغنى عنها.
فتشخّص كلّ حيوان وتقوّمه إنّما هو ببقاء نفسه الّتي هي صورته الكمالية ، ونحو وجوده الخاص مع بدن ما ، وإن تبدلت خصوصيّاته من المقدار والوضع وغيرهما ، حتّى إنك إذا رأيت إنسانا في وقت ، ثمّ تراه بعد ذلك بمدّة كثيرة ، وقد تبدّلت أحوال جسمه جميعا بخصوصيّاتها ، أمكنك أن تحكم عليه بأنه ذاك الإنسان ، فلا عبرة بتبدل المادّة البدنية بعد انحفاظ الصورة النفسانية ، بل الحال كذلك في تشخّص كلّ عضو منه ، ولو كان إصبعا واحدا ، فإنّ له اعتبارين : اعتبار كونه آلة مخصوصة لزيد مثلا ، واعتبار كونه في ذاته جسما متعيّنا من الأجسام ، واسم الإصبع واقع عليه بذلك الاعتبار ، لا بهذا ، فتعيّنه بالاعتبار الأوّل باق ما دامت النفس تتصرّف فيه ، وتستعمله وتحفظ مزاجه ، وتقلّبه كيف تشاء ، وبالاعتبار الثاني زائل لأجل الاستحالات الواقعة فيه.
فالشخص الخيالي إذا استقلّ بذاته وتجرّد عن هذا القشر اللحمي يصح أن يقال : هو بعينه هذا الشخص الحسي ؛ لأنّ النفس واحدة ، والبدن بما هو بدن إنّما يتعيّن ويمتاز بالنفس.
ويصح أيضا أن يقال : ليس هو هو ؛ لأنّ أحدهما من الذهب ، والآخر من النحاس(١).
وإلى مثل هذا أشير فيما روي عن مولانا الصادق عليهالسلام ، في قوله سبحانه : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (٢) ، حيث سئل : ما ذنب الغير؟
__________________
(١) ـ أنظر : الشواهد : ٢٦١ و ٢٦٢ و ٢٦٧.
(٢) ـ سورة النساء ، الآية ٥٦.