قال : ويحك ، هي هي ، وهي غيرها (١) ، فافهم ، واغتنم ، فإنّ هذا من الأسرار الكثيرة المنافع والفوائد ، اختصّ بتحقيقه أستاذنا ـ سلمه الله ـ وينفعك في كثير من الأمور الدينية ، إن شاء الله.
وصل
ومن البراهين على تجرّد النفس عن البدن ، واستقلالها : أنا نغيب أحيانا عن أعضائنا ، كلا ، أو كلّ واحد في وقت ، ولا نغيب عن ذاتنا ، فنحن وراء الجميع.
وأيضا إن إدراك الشيء لما كان عبارة عن حصول صورته للمدرك ، فكلّ من أدرك ذاته يجب أن يكون مفارقا عن المحل ؛ إذ لو كان في محل لكانت صورة ذاته غير حاصلة لذاته ، بل لمحلّه ، كما مرّ بيانه مفصّلا في الأصول.
وأيضا إنا ندرك ذاتنا بذاتنا ؛ لأنّا لا تعزب عنّا ذاتنا ، وأمّا شعورنا بشعور ذاتنا فقد وقد ؛ إذ ليس هو نفس وجودنا ، فهو كإدراكنا سائر الأشياء المدركة من خارج ، وأمّا سبب الشك في جوهرية النفس وسائر أحوالها مع حضور ذاتها ، فذلك لأنّ الجوهرية ونحوها ليست بجزء لوجود النفس وإنّيتها ، بل لماهيتها الكلية ، والحاضر عندنا من أنفسنا إنّما هي وجوداتنا المشار إليها بأنا ، لا ماهياتنا الكلية المذهولة عنها أحيانا.
وأيضا لو فرضنا ذاتنا في أوّل الخلقة كامل العقل صحيح البدن في هواء طلق منفرج الأعضاء ، غير متلامسها ، ولم نكن مستعملي الحسّ في شيء أصلا ، وجدنا ذاتنا فاقدة لكلّ شيء إلّا نفسها فوجدناها لا من دليل ووسط ، فذاتنا غير ما لم يدرك بعد من جسم ، أو عرض.
__________________
(١) ـ الاحتجاج : ٢ : ٣٥٤.