وصل
ومن البراهين : أن كلّ صورة أو صفة حصلت في الجسم بسبب ، فإذا زالت عنه وبقي فارغا عنها يحتاج في استحصالها إلى استئناف سبب ، أو سببية ، من غير أن يكون مكتفيا بذاته ؛ إذ ليس هذا من شأن الجسم ، ومن شأن النفس في الصور العلمية أن قد تصير بعد استحصالها من معلّم ، أو فكر ، مكتفية بذاتها في استرجاعها ، فتعالت عن أن تكون جرمية ، فهي روحانية.
وأيضا إن كلّ جوهر مادي لا يمكن أن تجتمع فيه صور كثيرة فوق واحدة ، وأمّا النفس فتجتمع فيها علوم شتى ، وصنائع تترى ، وأخلاق مختلفة ، وأغراض متفاوتة ، فهي ـ إذن ـ دفتر روحاني ، ولوح ملكوتي.
وأيضا إنها تدرك أشياء يمتنع وجودها في الجسم ، كالضدّين معا ، والعدم والملكة معا ، ولوجود مثل هذه الأمور في النفس يمكننا أن نحكم بأن لا وجود لشيء منها في الأجسام ، ولنا أن ندرك أيضا الوحدة المطلقة ، والمعنى البسيط العقلي ، ومعلوم أن كلّ ما في الجسم فهو منقسم ، وكذلك ندرك الحركة والزمان ، واللانهاية ، ممّا استحال أن تكون له صورة في الموادّ.
وصل
ومن الشواهد : أنك مع شواغلك إذا فكّرت في آلاء الله ، أو سمعت آية تشير إلى الأمور الإلهية ، وأحوال المآب ، أنظر كيف يقشعّر جلدك ، ويقف شعرك ، ويهون عليك ـ حينئذ ـ رفض البدن ، وقواه ، وهوسه ، وهواه ؛ وذلك لأجل نور