قذف في قلبك من الجنبة العالية ، وانعكس أثره إلى ظاهر جلدك من جهة الباطن ، على عكس ما ينفعل الداخل من الخارج ، فباطنك غير ظاهرك.
وأيضا إذا أردت أن تتوجّه إلى تكميل جوهرك ، وتفعل فعلك الخاص من تعقّل النظريات ، أو إخلاص نيّة في التقرّب إلى الله سبحانه ، أو امتناع عن مخالطة الشهوات ، والوساوس المفسدة ، لم يتيسّر لك ذلك إلّا بمجاهدة تامة ، ومغالبة عظيمة ، فالجوهر النطقي منك من عالم آخر ، وقع غريبا في دار الجسد ، بيد الظلمة ، والفسقة ، والكفرة ، من القوى الشهوية ، والغضبية ، والوهمية.
وأيضا النفس والبدن ـ كما ترى ـ يتعاكسان في القوّة والضعف ، فبعد الأربعين تكمل النفس ، وتكلّ الآلة ، فكلال البدن ليس منشؤه إلّا فعلية النفس ، وتفرّدها بذاتها.
وأمّا انحرافه عند الهرم بسبب قلة الحرارة ؛ فذلك لأنّ حاجة النفس إلى مزيد التدبير تمنعها عن جودة التعقّل.
بل نقول : لو كان التعقّل بآلة بدنية لكان كلما عرضت لها آفة وكلال عرض فيه فتور، وإذ ليس هذا كلّيا ، فليس التعقّل بآلة.
وأيضا كلّ من له أدنى رتبة في التحدس والتفطّن ورجع إلى ذاته وشاهد ما فعلته المتخيّلة الّتي هي إحدى قواه في إنشاء ماهيات الأبعاد والأجرام ، والتصرّف في الجبال الشاهقة ، والصحاري الواسعة ، والأفلاك المتحركة والساكنة ، والكواكب تارة بالتركيب والتفصيل ، وتارة بالتسكين والتحويل ، لتحدس يقينا أن نفسه العلّامة الفعّالة في عظائم الأجرام ، ودقائق المعاني وكلّياتها ، ليست جسما ، ولا جسمانيا ، وليس الأمر كما ظن أن الصور الّتي تدركها النفس إنّما هي في عالم خارج عنها ، منفصل ، ثابت بتأثير مؤثر غيرها.