وقد شبّهوا مراتب آثار العقل في النبات والحيوان والإنسان ، بنار تأثر عنه فحم بالحرارة وآخر بالتحمّر ، وآخر بالإضاءة والإحراق ، فيفعل فعل النار ، وفعل الأولين ، وكلما وقع له الاشتداد صدر عنه ما كان يصدر ممّا تقدّم عليه.
فصل
وممّا ذكر ظهر بطلان التناسخ ، بمعنى انتقال نفس من بدن إلى بدن مباين له ، منفصل عنه في هذه النشأة ، بأن يموت حيوان وتنتقل نفسه إلى حيوان آخر ، أو غير الحيوان ، سواء كان من الأخسّ إلى الأشرف ، ويسمى بالنقل الصعودي ، أو بالعكس ، ويسمى بالنقل النزولي ؛ وذلك لأنّ النفس متى ترقّت شيئا فشيئا حسب استكمالات المادّة حتّى تجاوزت درجة الطبيعة والنبات والحيوان ، وحصلت لها بإزاء كلّ استعداد فعلية خاصة ، فيستحيل أن ترجع تارة أخرى إلى القوّة المحضة ، والاستعداد الأنزل ، فإنه من المحال أن تتعلق نفس جاوزت درجة النبات والحيوان إلى مادّة المني ، أو الجنين ، وقد علمت أن المني لم تتجاوز صورته حد الطبيعة الجرمية ، وأن الجنين ما دام في الرحم لم تتجاوز صورته درجة النفس النباتية ، والتمنّي الّذي حكى الله سبحانه عن الأشقياء ، بقوله : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (١) ، تمنّي أمر مستحيل الوقوع ، وكذا قوله : (أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) (٢) ، فقد حرّم الله الرجوع إلى الدنيا ، كما قال سبحانه :
__________________
(١) ـ سورة النبأ ، الآية ٤٠.
(٢) ـ سورة الأعراف ، الآية ٥٣.