فصل
أما النظري فأولى مراتبها ما يكون للنفس بحسب أصل الفطرة حين استعدادها لجميع المعقولات لخلوها عن كلّ صورة ، وقبولها لأن تكون فيها ماهية كلّ موجود وصورته ، من غير تعسّر ، وتأبّي ، وامتناع من قبلها ، فإن عسر عليها شيء ، فإما لأنّه في نفسه ممتنع الوجود، أو كان ضعيف الكون شبيها بالعدم ، أو شديد الوجود قويا يغلب عليها ويقهرها ، ويفعل بها ما يفعل الضوء الشديد بعين الخفّاش ، ليس إلّا ، فهي في هذه المرتبة في قبولها للصور العقلية كالمادّة الأولى في قبولها للصور الحسّية ، فهي إذن من حيث الكون العقلي قوّة محضة ليس لها جوهرية ، ولا قوام بذاتها ، ولا لها إدراك لذاتها ، ولا لغيرها ، إلّا بالقوّة ؛ إذ الإدراك ـ كما دريت ـ تابع للمدرك ، بل هو عينه من وجه ، وإن كانت هي من حيث الكون الحسّي والخيالي جوهرا قائما بذاته ، مدركا لها ، وللمحسوسات ، والمتخيّلات ، والموهومات ، بل هي مجردة عن المواد أيضا ، من حيث الخيال ، كما دريت ، فهي في هذه المرتبة نهاية عالم الجسمانيات ، بل الخياليات أيضا ، في الكمال الحسّي ، والخيالي ، وبداية عالم الروحانيات في الكمال العقلي.
فإن نظرت إلى ذاتها في عالمي الحسّ والخيال وجدتها مبدأ جميع القوى الجسمانية ، ومستخدم سائر الصور الحيوانية ، والنباتية ، والجمادية ، فإنّها من آثارها ولوازمها في هذا العالم.
وإذا نظرت إليها في العالم العقلي وجدتها قوّة صرفة ، لا صورة لها عند