سكان ذلك العالم ، كما قال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) (١).
فنسبتها إليه نسبة البذر إلى الثمرة ، فإنّ البذر بذر بالفعل ، ثمرة بالقوة ، وتسمى النفس عند ذلك عقلا هيولانيا ، ثمّ تحصل فيها ممّا فوقها بسبب مراجعتها إليه وإدراكها للمعاني العلمية شعاع عقلي تكون منزلته منها منزلة ضوء الشمس من البصر الّذي هو بدونه باصر بالقوة ، فيحدث فيها عن رسوم المحسوسات الّتي هي معقولات بالقوة ، وكانت محفوظة في خزانة المتخيّلة أوائل المعقولات الّتي اشترك فيها جميع الناس من الأوليات ، والتجربيات ، والمتواترات ، والمقبولات ، وغيرها.
وهذه الصور إذا حصلت للإنسان يحدث له بالطبع تأمّل ورويّة فيها ، وتشوّق إلى استنباطات ، ونزوع إلى بعض ما لم يكن تعقّله أولا ، وتسمى النفس عند ذلك عقلا بالملكة ، ثمّ يحصل فيها ممّا فوقها بسبب كثرة مراجعتها إليها ، وتكرر مطالعتها المعقولات منه مرة بعد أخرى ، واتصالها به كرّة بعد أولى.
وتحصيل الحدود الوسطى ، واستعمال القياسات والتعاريف ، وخصوصا البراهين والحدود ، نور عقلي ، به تشاهد المعقولات المكتسبة متى شاءت ، من غير تجشّم ، وتسمى النفس عند ذلك من حيث إن المعقولات حاصلة لها عقلا بالفعل ، ومن حيث إنها تشاهدها عقلا مستفادا ، وفعلها الإرادي في هذا الباب ليس إلّا تحصيل الحدود واستعمال البراهين.
وأمّا فيضان النور العقلي فليس بإرادته ، بل بتأييد من الحقّ سبحانه ، بتوسّط الملك العقلي ، الّذي هو ربّ نوع الإنسان المسمى في الشرع ب «روح القدس» ، وحال حصول الكمالات النظرية عند ذلك كحال حصول الأوائل على
__________________
(١) ـ سورة المائدة ، الآية ٦٨.