بالتي هي معقولات بالفعل.
وكلّ معقول بالفعل هو عقل وعاقل بالفعل ؛ لأنّه موجود صوري لا تخالطه غواش مادية ، وعوارض ظلمانية ساترة لوجهها ، حتّى تحتاج في معقوليّتها لذاتها إلى عمل عامل ، وإلى تعرية معرّ ، وتجريد مجرّد إياها ، فلا يفارق كون الشيء معقولا بالفعل كونه عاقلا بالفعل، ولا كونه هذا المعقول ؛ لأن نحو وجوده الخارجي نحو معقوليته وعاقليّته ، فمعنى كون النفس عاقلة بالفعل ليس هو ، غير أن المعقولات صارت صورا لها ، على أنها صارت بعينها تلك الصور ، والمعقولات الّتي كانت بالقوّة معقولات ، فهي من قبل أن تصير معقولة بالفعل، ليس وجودها هذا الوجود العقلي ، بل كان وجودها وجودا حسيّا تابعا لسائر ما يقترن بها ، فهي مرّة من باب الأين ، ومرة من باب الحركة والانتقال ، ومرة من مقولة متى ، ومرة ذات وضع ، إلى غير ذلك من مقولات الأجناس المختلفة.
وإذا حصلت معقولات بالفعل ارتفع عنها كثير من تلك المعاني ، وصار وجودها وجودا آخر ، ويفهم معانيها على غير المفهوم منها أوّلا.
مثال ذلك : الأين ، فإنّ المعقول منه لم تجد فيه شيئا من لوازم الأين في الخارج ، من التزاحم وغيره ، وما من موجود من الموجودات الطبيعية العقلية إلّا ويمكن أن تحصل صورا لتلك الذات العاقلة ، وكلما حصلت لها صورة تصير هي هو بعينها من غير تفاسد ، فعلى حسب كثرة المعقولات للذات العاقلة بالفعل يكون وفور جمعيّتها وشمولها لتلك المعاني وحصولها صورا لذاتها ، فبهذا الوجه يمكن القول بصيرورة الذات الأحدية العقلية كلّ الأشياء.
وأيضا فإنّ كلّ بسيط الحقيقة يجب أن يكون كلّ الأشياء ، وإلّا لكان ذاته