ومشاهدتها إياها ، تصير بعينها العقل ، ويفنى وجودها في وجود ربّ نوعه العقلي ، المسمى بروح القدس ، والمعبّر عنه بالنور ، وتبقى ببقائه بعينه.
وسيأتي أن العقول كلّها فانية في ذات الله سبحانه ، باقية ببقائه تعالى ، لا فرق بينهم وبين حبيبهم ، فالنفوس الكاملة الفانية أيضا كذلك ، وهذا من الأسرار التي لا يمسّها إلّا المطهرون ، وهو الفناء في التوحيد ، في اصطلاح الصوفية ، وكأنه المشار إليه بقوله سبحانه في الحديث القدسي : «ومن قتلته فأنا ديته» (١) ، وما في معناه.
وفي الحديث النبوي : «لي مع الله وقت ، لا يسعني فيه ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل» (٢).
وفي كلام مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، في خطبة البيان (٣) ، المنسوبة إليه وغيرها ، ممّا ينبّه على مثل هذا المعنى كثير ، وكذا في كلام سائر أئمتنا المعصومين من أهل البيتعليهمالسلام ، كما روي عنهم بأسانيد معتبرة ، وعسى أن تقف على طرف من ذلك في مواضع من المباحث الآتية ، إن شاء الله.
وروي عن مولانا الصادق عليهالسلام ، أنه كان يصلّي في بعض الأيام فخرّ مغشيّا عليه في أثناء الصلاة ، فسئل بعدها عن سبب غشيته ، فقال : «ما زلت أردد هذه الآية حتّى سمعتها من قائلها» (٤) ، وفي رواية : «من المتكلم بها» (٥).
__________________
(١) ـ المستدرك : ١٨ : ٤١٩ ، ح ٢ ، عن تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ، وفيه : «ومن قتلته فعليّ ديته ، ومن عليّ ديته فأنا ديته».
(٢) ـ العقد الحسيني : ٤٥.
(٣) ـ أنظر : إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب : ٢ : ١٩٢ ، ٢٢٨.
(٤) ـ مفتاح الفلاح : ٣٧٢.
(٥) ـ تفسير الصافي : ١ : ٧٣ ، ورسائل الشهيد الثاني : ١٤١ ، ولم يذكر المصدر أيضا.