فصل
وممّا يدلّ على كروية الأرض طلوع الكواكب وغروبها في البقاع الشرقية قبل طلوعها وغروبها في الغربية ، بقدر ما تقتضيه أبعاد تلك البقاع في الجهتين ، على ما علم من إرصاد كسوفات بعينها ، لا سيّما القمرية في بقاع مختلفة ، فإنّ ذلك ليس في ساعات متساوية البعد من نصف النهار على الوجه المذكور ، وكون الاختلاف متقدّرا بقدر الأبعاد دليل على الاستدارة المتشابهة الساترة بحدبتها المواضع الّتي يعلو بعضها بعضا على قياس واحد بين الخافقين ، وازدياد ارتفاع القطب والكواكب الشمالية ، وانحطاط الجنوبية للسائرين إلى الشمال ، وبالعكس للسائرين إلى الجنوب ، بحسب سيرهما ، دليل على استدارتها بين الجنوب والشمال ، وتركّب الاختلافين يعطي الاستدارة في جميع الامتدادات.
ويؤيده مشاهدة استدارة أطراف المنكسف من القمر الدالّة على أن الفصل المشترك بين المستضيء من الأرض ، وما ينبعث منه الظل ، دائرة ، وكذلك اختلاف ساعات النّهر الطوال والقصار ، في مساكن متفقة الطول ، إلى غير ذلك.
ولو كانت اسطوانية ، قاعدتاها نحو القطبين لم يكن لساكني الاستدارة كوكب أبدي الظهور ، بل إمّا الجميع طالعة غاربة ، أو كانت كواكب تكون من كلّ واحد من القطبين على بعد تستره القاعدتان أبدية الخفاء ، والباقية طالعة غاربة ، وليس كذلك. وأيضا فالسائر إلى الشمال قد تغيب عنه دائما كواكب كانت تظهر له ، وتظهر له كواكب كانت تغيب عنه بقدر إمعانه في السير ؛ وذلك يدلّ على استدارتها في هاتين الجهتين أيضا.