فصل
وممّا يدلّ على استدارة سطح الماء الواقف طلوع رؤوس الجبال الشامخة على السائرين في البحر أولا ، ثمّ ما يلي رؤوسها شيئا بعد شيء ، في جميع الجهات ، إلّا أن الماء ليس بتامّ الاستدارة ، بل هو على هيئة كرة مجوّفة ، قطع بعض منها ، وملئت بالأرض على وجه صارت الأرض مع الماء بمنزلة كرة واحدة ، ومع ذلك ليس شيء من سطحيه صحيح الاستدارة.
أما المحدب فلما فيه من الأمواج ، وأمّا المقعّر فلتضاريس ما فيه من الأرض ؛ لأنّه خرج من سطحه ما ارتفع منها ؛ وذلك لأنّ الأرض لما حدثت فيها جبال شاهقة ووهاد غائرة ، انحدر الماء إليها بالطبع ، فانكشفت المواضع المرتفعة لتكون مسكنا للحيوانات المتنفّسة وغيرها من المركّبات المحوجة إلى غلبة العنصر اليابس الصلب ؛ لحفظ الصور والأشكال ، وربط الأعضاء والأوصال ، عناية من الله سبحانه.
قال الإمام سيد العابدين عليهالسلام في قوله تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) (١) ، قال : «جعلها ملائمة لطبائعكم ، موافقة لأجسادكم ، لم يجعلها شديدة الحمي والحرارة ، فتحرقكم ، ولا شديدة البرودة ، فتجمدكم ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم ، ولا شديدة النتن فتعطبكم ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم وأبنيتكم ، وقبور موتاكم ، ولكنه عزوجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به ، وتتماسكون عليها ،
__________________
(١) ـ سورة البقرة ، الآية ٢٢.