فصل
وهذه المراتب الأربع للعقل النظري تعتبر بالقياس إلى كلّ نظري ، فيختلف الحال ؛ إذ قد يكون بالقياس إلى بعض النظريات في مرتبة العقل الهيولاني ، وفي بعضها عقلا بالملكة ، وفي بعضها عقلا بالفعل ، وفي بعضها عقلا مستفادا ، فإنّ وحدة النفس طور آخر من الوحدة ، فكما لا تتأبّى عن الاتصال بأشياء متخالفة الحقائق بأن تكون مع كلّ منها بحسبه ، ففي مرتبة عقل ، وفي مرتبة خيال ، وفي أخرى حسّ.
وكلّ قوّة درّاكة فهي من جنس مدركه ، كما دريت ، فكذلك لا يمتنع أن تتصل بشيء من وجه ، ولا تتّصل به من وجه آخر ، فإنّ ذاتها بمنزلة مرآة كرية ، كلّ قوس منها صارت مصيقلة حاذت بها شطر الحقّ الّذي يكون فيه كلّ كمال وزينة ، فوقعت فيها صورة مناسبة لها ، يخرج بحسبها ما بالقوّة من الصور والكمالات والاعتداد في كلّ من هذه الاتصالات بما استقرّت النفس عليه في آخر الأمر ، والعبرة بما هو الغالب عليها ، والصائر ملكة لها ، وبه يجري الحكم عليها في النشأة الآخرة ، فإن حصلت لها في الدنيا ملكة الاتصال بالأمور الدنياوية ، فمآلها إلى الجحيم ، على حسب دركاتها ، وإن حصلت لها في الدنيا ملكة الاتصال بالخيرات والعقليات ، فمآلها إلى النعيم ، على حسب درجاتها.
ومنزلة كلّ امرىء في العلو والسفل على قدر عقله وعلمه ، والناس أبناء ما يحسنون ، و «قيمة كلّ امرىء ما يحسنه» (١).
__________________
(١) ـ نهج البلاغة : ٤٨٢ ، حكمة رقم «٨١».