فصل
وأمّا العقل العملي فأولى مراتبه تهذيب الظاهر باستعمال الشرائع والتقيّد بقيودها ، والائتمار بأوامرها ، والانتهاء عن نواهيها ، وفعل النوافل من القيام ، والصيام ، والصدقات ، والقرابين ، والأعياد ، والجماعات ، وسائر الآداب والسنن.
ثم تهذيب الباطن عن الملكات الرديئة ، والأخلاق الدنية ، الّتي تظهر في النفس بالتدريج ، بعد تجاوزها عن أدنى مراتب الحيوانية ، من الشهوة والغضب والحرص والحسد والبخل والعجب والغرور ، وغير ذلك من الصفات والهيئات التي هي نتائج الاحتجاب والبعد عن معدن الوجود ، والصفات الكمالية ، وهي الساترة للحق سبحانه ، والزائفة عن صراطه المستقيم ، فإنّ الإنسان كما أنه مركّب ـ من حيث المادّة البدنية ـ من أمزجة مختلفة ، وكيفيات متضادّة ، كذلك مركّب من حيث الصورة النفسانية من قوى متخالفة ، متضادّة ، كقوّة الشهوة ، والغضب ، والوهم ، والعقل ، والشهوة كالبهيمة ، والغضب كالسبع ، والوهم كالشيطان ، والعقل كالملك ، والناظر بعين البصيرة يرى قوّة الشهوة بهيمة بالحقيقة ، وكذا يشاهد قوّة الغضب إذا اشتدّت بعينها كلبا عقورا ، وسبعا ضاريا ، وكذا قوّة الوهم ـ إذا لم تكن في طاعة العقل وتسخيره ـ شيطانا مغويا ؛ لما دريت أن الحقائق للأشياء هي صورها المعنوية ، لا موادّها الحسية.
فإذا كان في باطن الإنسان بهائم وسباع وشياطين ، وله حاجة في طريق سلوكه وسفره إلى الله إلى استخدامها ، فإنّ في فقدها بالكلية خلافا لمصلحة السفر ، وأخذ الزاد ، فلا بد للعقل أن يسخّرها ويستخدمها ويعامل معها معاملة السلطان العادل مع المردة من رؤساء مملكته ، ويداريها مداراة الفسوني بالحية