التي يريد أن ينتفع من ترياقها ، ولا يتضرّر من سمّها المهلك ، ليحصل له حسن الخلق ، وسلامة القلب ، ليتهيّأ قلبه بذلك لنور المعرفة.
وتسمى هاتان المرتبتان بالتجلية ـ بالجيم ـ والتخلية ـ بالخاء المعجمة ـ وإليهما أشير بقوله سبحانه : (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) (١).
وبقول النبي صلىاللهعليهوآله : «إنّ أدنى درجات الإيمان إماطة الأذى عن الطريق» (٢).
ثم تصوير النفس بالصور القدسية العلمية ، ونقشها بهيئة الوجود على ما هو عليه ، وتحلّيها بالصفات الحميدة ، والأخلاق المرضية ، من التوبة ، والإنابة ، والصبر ، والشكر ، والرضا ، والزهد ، الحقيقي ، والتوكّل ، والإنس ، والمحبة ، والتوجّه بالكلية إلى الحق ، والمواظبة على الطهارة التامة ، والذكر ، والمراقبة ، والمحاسبة ، والوجد ، والسكر ، والوله ، والشوق ، والعشق ، والهيمان ، وغير ذلك من نتائج القرب ، والمعرفة بالحق سبحانه ، وتسمى هذه المرتبة بالتحلية ، بالحاء المهملة.
ثم بعد ذلك مرتبة فناء النفس عن ذاتها ، وقصر النظر على ملاحظة الحقّ سبحانه ، وكبريائه ، وآثار قدرته ، وعلمه ، وإرادته ، وسمعه ، وبصره ، لتأكّد علاقتها معه ، واتصالها به ، بحيث يصحّ أن يشير إلى مبدئها الحقيقي ، وجاعلها التام ، إشارة روحانية ب «أنا» ، حين اضمحلال ذاتها ، وخرورها عند اندكاك جبل إنيتها ، وإلى صفاته الّتي هي عين ذاته، من السمع والبصر والقدرة ، وغيرها ، بأنها سمعي ، وبصري ، وقدرتي ، فبه يبصر الأشياء ، وبه يسمع ، وبه يقتدر ، كما ورد في
__________________
(١) ـ سورة الأنعام ، الآية ١٢٠.
(٢) ـ عوالي اللئالي : ١ : ٤٣١ ، ح ١٣٠ ، بهذا المضمون.