الحديث القدسي بأسانيد صحيحة ، من طريقنا ، وطريق العامة : «ما تقرّب العبد إليّ بشيء أفضل ممّا افترضت عليه ، ولا يزال يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به ، وبصره الّذي يبصر به ، ويده الّتي يبطش بها ، ورجله الّتي يمشي بها ، فبي يسمع ، وبي يبصر ، وبي يبطش ، وبي يمشي» (١).
فقد تحقّق لها ـ حينئذ ـ التخلّق بأخلاق الله بالحقيقة ، لا بمعنى صيرورة صفات الله ـ الّتي هي عين ذاته ـ أعراضا قائمة بذات النفس ، بل بمعنى علاقة أخرى شديدة ، أتم من علاقة النفس مع البدن وصفاته الكونية المادية ؛ إذ تلك هي العلاقة الّتي تكون بين الفاعل الحقيقي ومجعوله ، وهذه علاقة ضعيفة ستقطع بالموت الطبيعي ، أو الإرادي ، ومع هذا يصحّ للنفس أن تقول مشيرة إلى ذاتها وجوهرها : أنا سمعت ، وبصرت ، واشتهيت ، وتحركت ، وسكنت ، وغير ذلك من صفات بدنه ، وقواه بحسب الحقيقة ، من غير لزوم تجرم وتكثّف يعتريها ، فما ظنّك بنفس تجرّدت بالكلية عن البدن ، وعن التعلّق بغير الله ، واتّصلت به اتصالا معنويا ، لاهوتيا ، وقصرت النظر على ملاحظة جماله ، فتشاهده في كلّ ما تسمع وترى ، وتلاحظ وجهه في كلّ ما يظهر ويخفى.
قال العلّامة المحقّق نصير الدين الطوسي رحمهالله (٢) ، في شرح الإشارات :
__________________
(١) ـ عوالي اللئالي : ٤ : ١٠٣ ، ح ١٥٢ نحوه ، وصحيح البخاري : ٧ : ١٩٠ نحوه.
(٢) ـ نصير الدين الطوسي : حجّة الفرقة الناجية ، الفيلسوف ، المحقّق ، أستاذ البشر ، وأعلم أهل البدو والحضر ، محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسي ، الجهرودي ، سلطان العلماء والمحقّقين ، وأفضل الحكماء والمتكلّمين ، ممدوح أكابر الآفاق ، ومجمع مكارم الأخلاق ، الذي لا يحتاج إلى التصريف ، لغاية شهرته ، مع أنّ كلّ ما يقال فهو دون رتبته. ولد في «١١» جمادى الأولى سنة «٥٩٧ ه» بطوس ، ونشأ بها ، ولذلك اشتهر بالطوسي ، وكان أصله من چه رود ، المعروف بجهرود من أعمال قم ، من موضع يقال له وشارة ـ بالواو ـ