وأمّا الثاني ، فكذلك ، إلّا أن الوهم له شيطنة بحسب الفطرة ، يقبل إغواء الشيطان ، فيعارض العقل في مقاصده البرهانية الإيمانية ، فيحتاج إلى تأييد جديد أخروي من جانب الله ، ليقهره ، ويغلب عليه ، ويطرد ظلماته.
وأمّا التسخير الحقيقي (١) : فهو عبارة عن تسخير الله المعاني العقلية الإلهية ، للكامل من الناس ، وجعله بقوّته الباطنية إيّاها صورا روحانية ، أو أمثلة غيبية موجودة في عالمه العقلي ، أو المثالي ، ونقله الأشياء من عالم الشهادة إلى عالم الغيب ، بانتزاعه من الجزئيات ، وقبضه الأرواح من موادّ الأجسام والأشباح ، بإمداد الله من اسمه القابض ، راجعا من عالم الدنيا إلى الآخرة ، ومتقلّبا من حالة التفرقة والافتراق إلى حالة الجمع والتلاق.
فصل
قيل : لكلّ واحد من أفراد البشر ـ ناقصا كان أو كاملا ـ نصيب من الخلافة بقدر حصّة إنسانيته ، كما قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) (٢) ، يشير إلى أن كلّ واحد من أفاضل البشر ، وأراذلهم ، خليفة من خلفائه في أرض الدنيا.
فالأفاضل مظاهر جمال صفاته في مرآة أخلاقهم الربانية ، فإنه سبحانه تجلّى بذاته وجميع صفاته لمرآة قلوب الكاملين المتخلّقين بأخلاقه ؛ لتكون
__________________
(١) ـ لعله يقصد التسخير غير الحقيقي ، ليكون عدلا لما ذكر سابقا : «أن التسخير على ضربين» ، ثمّ بدأ بشرح التسخير الحقيقي. أنظر ص ٢٩٢ من هذا الكتاب.
(٢) ـ سورة الأنعام ، الآية ١٦٥.