مرآة قلوبهم لجلال ذاته ، وجمال صفاته ، مظهرا ومظهرا (١).
والأراذل يظهرون جمال صنائعه ، وكمال بدائعه في مرآة حرفهم وصنائعهم ، ومن خلافتهم أن الله استخلفهم في خلق كثير من الأشياء ، كالخبز ، والخياطة ، والبناء ، ونحوها ، فإنه تعالى يخلق بالاستقلال ، والإنسان يغزله وينسج منه الثوب بالخلافة ، وعلى هذا القياس في سائر الصنائع والحرف (٢).
ومن خلافتهم تدبير كلّ منهم ما يتعلّق به من الأمور ، كتدبير السلطان لملكه ، وصاحب المنزل لمنزله ، وأدناه تدبير الشخص لبدنه.
والخلافة العظمى إنّما هي للإنسان الكامل المربّي لأفراد العالم كلّها ، بجهته الروحانية الآخذة عن الله ما تطلبه الرعايا ، وبجهته العبودية المبلّغة إليهم ذلك ، فإنه بهاتين الجهتين يتم أمر خلافته.
فصل
لما كان خلق هذا العالم الجسماني إنّما هو لأجل الإنسان ، فالملائكة المدبّرون له كلهم خادمون له ، مسخّرون لأجله ، مطيعون إياه ، سماويّين كانوا ، أم أرضيين ، موكّلين به ، أم بسائر ما خلق لأجله ، وهذا هو المعني بالسجود المأمور به للملائكة المشار إليه بقوله سبحانه : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (٣) ، وهو
__________________
(١) ـ في المصدر : لتكون مرآة قلوبهم مظهرا لجلال ذاته وجمال صفاته.
(٢) ـ أنظر هذا القول في أسرار الآيات : ١٠٨ ، قاعدة في تحقيق الخلافة الإلهية (في الذيل).
(٣) ـ سورة الأعراف ، الآية ١١.