النفسية.
فإذا أهبطت من هناك لخطيئة وقعت من أبيها وأمها ، وفرّت من سخط الله ، وانحطّت إلى السفل ، وحوّلت إلى هذا العالم ، انقلبت حياتها موتا ، ونورها ظلمة ، وتبدّلت قدرتها عجزا ، واختيارها اضطرارا ، واستقرارها اضطرارا ، ولطافتها كثافة ، وزالت كرامتها وشرفها وكمالها ، إلى المذلّة ، والخسّة ، والنقص ، وانجرّت جمعيتها ووحدتها إلى التفرقة والكثرة ، فهي ما لم تصل ثانيا إلى معادها الأصلي ، ولم تزل الكثرة والتفرقة عنها بالكلية ، كأنها لم تكن ، لم تسكن ولم تطمئن من انزعاجها واستفزازها.
فإن قيل : إذا كانت النفوس مبتهجة بكمالها العقلي اللائق بحال تلك النشأة ، فما العلة في فيضانها وصدورها عن ذلك؟ وما الغاية في ذلك؟
قلنا : أمّا العلّة الفاعلية فنفس ذات هويّتها العقلية بحسب القضاء الأزلي الربّاني ، اقتضت نزولها إلى عالم الأبدان حكما إجماليا كليا ؛ لجملة النفوس ، وحكما قدريا تفصيليا بحسب الأوقات والأزمنة ، وعللها الجزئية لآحاد النفوس ؛ وذلك بواسطة جهة نقص وإمكان كانت لها ، يعبّر عنها بالخطيئة لأبينا آدم ، وعن صدور النفوس بالفرار من سخط الله ، وليس ذلك إلّا ما يقتضيه ترتيب الوجود ، فإنّ النور الأنقص لا تمكّن له في حضرة النور الأشدّ ، كما أفصح عنه الحديث المشهور : «أنّ لله سبعين حجابا من نور» (١).
وأمّا العلة الغائية ، فهي كمالها العقلي الحاصل لها من جهة تطوّراتها في الأطوار الكونية ، والشؤون الأفعالية ، فإنّ الجمع بين الصفات الملكية والحيوانية والأسماء التنزيهية والتشبيهية ، أدخل في الكمال الجمعي ، وأتمّ بالتشبّه بالإله
__________________
(١) ـ مجمع الزوائد : ١ : ٧٩ ، باب في عظمة الله سبحانه وتعالى.