بقدر الوسع البشري من الاكتفاء بالتجرّد والتنزّه فقط ، وإلّا فيلزم أن يبقى في كتم العدم كثير من الخيرات والكمالات الكونية ، من غير أن يخرج من القوّة إلى الفعل ، مع إمكانها ؛ وذلك ينافي العناية.
وصل
روى الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، أنه قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : لأي علّة جعل الله تبارك وتعالى الأرواح في الأبدان بعد كونها في الملكوت الأعلى ، في أرفع محلّ؟ فقال عليهالسلام : إن الله تبارك وتعالى علم أنّ الأرواح في شرفها وعلوّها متى تركت على حالها نزع أكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عزوجل ، فجعلها بقدرته في الأبدان الّتي قدّرها لها في ابتداء التقدير ؛ نظرا لها ، ورحمة بها ، وأحوج بعضها إلى بعض ، وعلّا (١) بعضها على بعض ، ورفع بعضها فوق بعض درجات ، وكفى بعضها ببعض ، وبعث إليهم رسله ، واتّخذ عليهم حججه ، مبشّرين ومنذرين ، يأمرونهم بتعاطي العبودية ، والتواضع لمعبودهم ، بالأنواع الّتي تعبّدهم بها ، ونصب لهم عقوبات في العاجل ، وعقوبات في الآجل ، ومثوبات في العاجل ، ومثوبات في الآجل ، ليرغّبهم بذلك في الخير ، ويزهّدهم في الشر ، وليذلّهم بطلب المعايش والمكاسب ، فيعلموا بذلك أنهم مربوبون ، وعباد مخلوقون ، ويقبلوا على عبادته ، فيستحقّوا بذلك نعيم الأبد ، وجنّة الخلد ، ويأمنوا من النزوع إلى ما ليس لهم بحق.
ثمّ قال عليهالسلام : يا بن الفضل ، إن الله تبارك وتعالى أحسن نظرا لعباده منهم
__________________
(١) ـ في المصدر : وعلق.