واضطرابها الّتي لا تفتر عنها في أكثر الأحوال ، ثمّ انتقلت منها وحاكتها بأمور أخرى في النوم ، فبقيت مشغولة بمحاكاتها ، كما تبقى مشغولة بالحواسّ في اليقظة ، وخصوصا إذا كانت ضعيفة منفعلة عن آثار القوى ، وهي أضغاث الأحلام.
ولمحاكاتها أسباب من أحوال البدن ومزاجه ، فإن غلب على مزاجه الصفراء حاكاها بالأشياء الصفر ، وإن كان فيه الحرارة حاكاها بالنار والحمّام الحار ، وإن غلبت البرودة حاكاها بالثلج والشتاء ، ونظائرهما ، وإن غلبت السوداء حاكاها بالأشياء السود والأمور الهائلة.
قال بعض العلماء : وإنما حصلت صورة النار ـ مثلا ـ في التخيل عند غلبة الحرارة ؛ لأنّ الحرارة الّتي في موضع تتعدى إلى المجاور لها كما يتعدى نور الشمس إلى الأجسام بمعنى أنه سيكون سببا لحدوثه ؛ إذ خلقت الأشياء موجودة وجودا فائضا بأمثاله على غيره ، والقوّة المتخيّلة منطبعة في الجسم الحارّ فتتأثّر به تأثّرا يليق بطبعها ؛ لأنّ كلّ شيء قابل يتأثّر من شيء ، فإنما يتأثّر منه بشيء يناسب جوهر هذا القابل وطبعه ، فالمتخيلة ليست بجسم حتّى تقبل نفس الحرارة ، فتقبل من الحرارة ما في طبعها القبول له ، وهو صورة الحار ، فهذا هو السبب فيه (١).
__________________
(١) ـ المبدأ والمعاد : ٤٧١ ، فصل في أضغاث الأحلام وهي المنامات الّتي لا أصل لها.