كان الكوكب إلى الأفق أقرب كان الاختلاف أكثر ، والموضع المرئي له أقرب إلى الأفق من الموضع الحقيقي أبدا.
فصل
الشمس كوكب عظيم ليس في الكواكب أعظم منه ، وهو رئيس السماء ، واهب الضياء ، شديد الضوء ، فاعل النهار والليل ، بالحضور والغيبة ، وجاعل الفصول الأربعة بالذهاب والأوبة ، بأمر الله سبحانه وطاعته ، وما ازداد على الكواكب بمجرّد المقدار والقرب ، بل بالشدة ، فإنّ ما يتراءى من الكواكب بالليل مقدار مجموعها أكبر من الشمس بما لا يتقايس ، ولا يفعل النهار ، فسبحان من صوّرها ونوّرها ، وفي عشق جمال بارئها دوّرها.
والمستضيء بها من الأرض أكثر من نصفها دائما ، لما بيّن في محلّه أنّ الكرة الصغرى إذا قبلت الضوء من الكبرى كان المستضيء منها أعظم من نصفها.
وظل الأرض على هيئة مخروط يلازم رأسه مدار الشمس ، وينتهي في فلك الزهرة ، كما علم بالحساب ، والنهار مدّة كون المخروط تحت الأفق ، والليل مدّة كونه فوقه ، فإذا ازداد قرب الشمس من شرقي الأفق ازداد ميل المخروط إلى غربيه ، ولا يزال كذلك حتّى يرى الشعاع المحيط به.
وأوّل ما يرى منه هو الأقرب إلى موضع الناظر ؛ لأنّه أصدق رؤية ، وهو موقع خطّ يخرج من بصره عمودا على الخط المماس للشمس والأرض ، فيرى الضوء مرتفعا عن الأفق ، مستطيلا ، وما بينه وبين الأفق مظلما ؛ لقربه من قاعدة المخروط الموجب لبعد الضوء هناك عن الناظر ، وهو الصبح الكاذب.