للعالم صانعا ، مبدعا ، محدثا ، أزليا ، واجبا بذاته ، عالما بجميع معلوماته على نعت الأسباب الكلية ، كان في الأزل ولم يكن في الوجود رسم ولا طلل الأمثال عند الباري جل اسمه ، وربما يعبّر عنه بالعنصر الأوّل (١).
ونقل عنه أنه كان يحيل وجود حوادث لا أوّل لها ؛ لأنّك إذا قلت : حادث ، فقد أثبتّ الأولية لكلّ واحد ، وما يثبت لكلّ واحد يجب أن يثبت للكل.
ولعل غرضه أن الحدوث لما كان هو المسبوقية بالعدم ، فإذا كان الكلّ مسبوقا بالجزء، والجزء مسبوقا بالعدم ، فكان الكلّ مسبوقا بالعدم ؛ إذ المسبوق بالمسبوق بالشيء مسبوق بذلك الشيء لا محالة.
وقال الفيلسوف الأعظم ، والمعلّم الأقدم ، أرسطاطاليس (٢) : الأشياء المحمولة ، يعني بها الصور الجسمانية ، فليس كون أحدها من صاحبه ، بل يجب أن يكون بعد صاحبه ، فيتعاقبان على المادة ، فقد بان أنّ الصورة تبطل وتدثر ، وإذا دثر معنى وجب أن يكون له بدو ، ولأنّ الدثور غاية ، وهو إحدى الحاشيتين ، ما دلّ على أن جائيا جاء به فقد صحّ أن المكوّن حادث لا من شيء ، وأن الحامل لها غير ممتنع الذات عن قبولها ، وحمله إياها وهي ذات بدو وغاية ، يدلّ على أن حامله ذو بدو وغاية ، وأنه حادث لا من شيء ، ويدلّ على محدث
__________________
(١) ـ الأسفار الأربعة : ٥ : ٢١٤ ، ٢١٧.
(٢) ـ أرسطو (٣٨٤ ـ ٣٢٣ ق. م) : ولد في مستعمرة يونانية بالقرب من مقدونيا ، يقال لها : استاجيرا ، ونشأ في مقدونيا ، فقد كان والده «نيقوماخيس» طبيبا لملكها جدّ الإسكندر ، واتّصل برجال البلاط الملكي ، وعاش عيشة الأشراف مدّة تأثّر فيها بأساليبهم في الحياة. هاجر في أواخر حياته من أثينا إلى استاجيرا ، ومات هناك ، وعمره «٦٢» سنة تقريبا ، وبنوا له هيكلا ، واتّخذوه مزارا ، كما هي عادتهم في عظمائهم.
أنظر : تاريخ الفلسفة ، لمحمد علي مصطفى : ١٣٨ ، وتاريخ الفلسفة ، لحنّا أسعد فهمي : ٦٧.