لا بدو له ، ولا غاية ؛ لأنّ الدثور آخر ، والآخر ما كان له أول ، فلو كانت الجواهر والصور لم تزالا فغير جائز ؛ لأنّ الاستحالة دثور الصورة الّتي بها كان الشيء ، وخروج الشيء من حد إلى حدّ ، ومن حال إلى حال ، يوجب دثور الكيفية ، وتردّد المستحيل في الكون ، والفساد ، يدلّ على دثوره ، وحدوث أحواله يدلّ على ابتدائه ، وابتداء جزئه يدلّ على بدو كلّه ، وأوجب إن قيل بعض ما في هذا العالم للكون والفساد ، أن يكون كلّ العالم قابلا له ، وكان له بدو لا يقبل الفساد ، وآخر يستحيل إلى كون ، فالبدو والغاية يدلّان على مبدع.
ونقل أنه قد سأله بعض الدهرية ، وقال : إذا كان الباري لم يزل ولا شيء غيره ، ثمّ أحدث العالم فلم أحدثه؟
فقال له : «لم» غير جائزة عليه لأن «لم» تقتضي علّية ، والعلّة محمولة فيما هي علة له من معلّ فوقه ، ولا علّة فوقه ، وليس بمركّب فتحيل (١) ذاته العلل ، ف «لم» عنه منتفية ، وإنما فعل ما فعل ؛ لأنّه جواد.
فقيل : فيجب أن يكون فاعلا لم يزل ؛ لأنّه جواد لم يزل؟
قال : معنى «لم يزل» : لا أوّل له ، وفعل يقتضي أولا ، واجتماع ما لا أوّل له ، وذو أوّل في القول والذات ، محال متناقض.
فقيل له : فهل يبطل هذا العالم؟
قال : نعم.
قيل : فإذا أبطله بطل الجود.
قال : يبطله ليصوغه الصيغة الّتي لا تحتمل الفساد ، فإنّ هذه الصيغة تحتمل
__________________
(١) ـ فتحمل (خ ل).