عِنْدَهُ) (١) ، فهي غير مرتبطة بالعلة المقتضية للوجودات ، فهي ليست قديمة ، ولا حادثة ، ولا متقدّمة ، ولا متأخّرة.
وقد ثبت أن النفوس بما هي نفوس وما دامت نفوسا حكمها حكم الطبيعة الجرمية ، وإذا صارت مجرّدة بالكلية انخرطت في سلك العقول ، واتّصلت بالملأ الأعلى ، وأمّا العقول فذواتهم مستغرقة في بحر اللاهوتية ، مطموسة أنوارها في نور الأحدية ، ليست لواحد منها كينونة لنفسه ، ولا له مع نفسه ، إذا قطع عن جاعله الحق ، إلّا البطلان المحض ، والليس الصرف ، لا كحال الماهيات ؛ حيث يكون لها في أنفسها الإمكان ؛ إذ لا ماهية للأمر المفارق إلّا الهوية المتعلّقة بهوية الحق الأوّل ، ليثبت لها حالة إمكانية ، مع قطع النظر عن وجودها وجاعلها ، فهي أبدا ملتحقة بفاعلها ، ملاحظة لجمال بارئها ومبدعها ، لم ترجع إلى ذواتها طرفة عين ؛ لأنّ إمكانها لا يفارق فعليتها ، وقصورها لا يباين تمامها ، وفقرها مستهلك في غناها ، فهي ـ إذن ـ بمنزلة الأشعة والأضواء للذات الإلهية ، كأشعّة الشمس بالنسبة إليها (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (٢) ، فهي بمنزلة لوازم الذات الغير المجعولة ؛ لأنها صور علمه التفصيلي بما عداه ، ولذلك قال : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) (٣) ، فالعالم كله جوده ورحمته ، وخزائن جوده ورحمته يجب أن تكون قبل الجود والرحمة ، فلو كانت تلك الخزائن من جملة جوده ، أي من مخلوقاته ومقدوراته ، فلا بدّ لها ـ أيضا ـ خزائن سابقة عليها ، فهي ليست من جملة المصنوعات والأفاعيل.
__________________
(١) ـ سورة النور ، الآية ٣٩.
(٢) ـ سورة النحل ، الآية ٦٠.
(٣) ـ سورة الحجر ، الآية ٢١.