فقد ظهر أن العالم بجميع جواهره المادية والصورية والنفسية والجرمية ، وأعراضها ، حادثة حدوثا زمانيا ، متجدّدة تجدّدا سيلانيا ، ولا يوجد في شيء ممّا سوى الله تعالى وأشعّته ، وأنواره الّتي هي من لوازم ذاته ، ولا تباين لها معه في الحقيقة ، قديم بشخصه ، واحد بالعدد ، بل يوجد منه في كلّ آن شخص آخر.
فهذه السماوات والأرضون الموجودة في هذا الزمان لم تكن موجودة أشخاصها قبل هذا الزمان ، وليست هذه هي الّتي كانت عند الطوفان ، ولا قبله ، ولا الّتي تكون من بعد.
وكذلك أشخاص كلّ نوع متكرّر الأفراد متكثّر الآحاد ، سواء كانت أشخاصه منتشرة ، أو متصلة ، فكما لم يكن في أفراد الإنسان شخص جسماني أزلي الوجود ، فكذلك في النوع الّذي قيل إنه منحصر في واحد ، كالشمس ـ مثلا ـ فإنّها وإن لم تكن لها أفراد متميّزة متفرّقة بالفعل ، إلّا أن لها تشخّصات لا تنحصر ، متبدّلة ، متجدّدة ، متّصلة ، زائلة ، غير باقية ، ذاتا ووجودا ، فلا يوجد فيها هوية جسمانية مستمرة الوجود إلى يوم القيامة ، بل حال الجواهر الجسمانية في وجودها ودوامها كحال الزمان والحركة في وجودهما ودوامهما ، من حيث إن هويّاتها الاتّصاليّة متجدّدة متصرّمة.
فكما أن الزمان والحركة لا يتّصف أحدهما ، لا كلّه ، ولا جزءه ، ولا كلّيه ، ولا جزئيّه ، بالاستمرار والبقاء ، والقدم والأزلية ، فكذلك الجواهر الجسمانية وما يتبعها ، والحمل ، والثور ، والنسر ، والسرطان ، في عالم السماء ، كالحمل ، والثور ، والنسر ، والسرطان ، في عالم الأرض ، من حيث إن أشخاص كلّ من القبيلين متجدّدة في كلّ حين ، وحقائقها عند الله باقية ، كما قال تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ