وإن أريد به أنه عند تبدّل الأفراد وتجدد الآحاد المتوافقة في النوع لا تتبدّل حدودها النوعية ، فذلك مسلّم ، ولا يضرّنا ؛ لأنّ الحدود أمور ذهنية انتزاعية ، مركّبة من أجناس وفصول غير موجودة في الخارج على وصف الوحدة والتعيّن ، وليس وحدة الطبيعة الجنسية ، أو الفصلية ، أو الحدّية ، أو النوعية ، أو غير ذلك ، وحدة بالعدد ، والقدم والحدوث وصفان يوصف بشيء منهما الموجود الواحد الشخصي ، إمّا في العين ، أو في العقل.
والمفهومات والمعاني الكلية إذا أخذت من حيث هي هي فهي ليست بواحدة ، ولا كثيرة ، ولا قديمة ، ولا حادثة ، بل ولا موجودة ، ولا معدومة ، وإنما توصف بشيء من هذه الأوصاف تبعا لأشخاصها.
فقد ثبت أن الكلي الطبيعي ، والماهية المطلقة ، ليس موجودا واحدا مستمر الوجود بوحدته ، بواسطة تعاقب الأفراد ، وتوارد الآحاد ، حتّى يصحّ القول بقدم النوع لأجل تعاقب أفراده وأعداده لا إلى نهاية.
فصل
وليعلم أنّ الله سبحانه إنّما يصبّ سجال الفيض ، ورشح الجود ، في فضاء الوجود ، وعرصة الشهود أبدا ، صبّة واحدة ، فلا يزال يبدع ويصنع ، ويفعل ويجعل ، لا على السيلان ، ولا على الاستئناف ، بل على القرار والثبات ، لا في زمان ، ولا في آن ، ولا في حيّز ، ولا مكان ، ولا عن مادّة ، ولا من شيء أصلا ، وإنما التقدّم والتأخّر ، والتجدد والتصرّم ، والاستعدادات المادية تقع في حدوثها الزماني وظهورها في ظرف الزمان فحسب ، والباري سبحانه اخترع المادّة وذا المادّة ـ جميعا ـ في ظرف أوسع من الزمان ، يقال له : الدهر ، لا من شيء ، بل بعد