العدم الصريح ، والليس الصرف.
فكما أن ذاته سبحانه ، وصفاته الحقيقية ، وشؤونه الذاتية ، وأسماءه الحسنى ، متقدّسة عن التغيّر ، كذلك تعالى قوله ، وفعله ، وأمره عن التغيّر ، كما قال : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (١).
لكن بعض الموجودات ، كالزمان الّذي هو ظرف المتغيّرات ، والحركة التي ماهيتها الحدوث بعد الحدوث لذاته تتغيّر لا بتغيّر عارض لنفسه.
فالزمان والحركة بهويّتها الامتداديتين ، الغير القارّتين ، صدرا من الحقّ الفيّاض فيضة واحدة ، بلا زمان ، بل من كتم العدم الصريح إلى الوجود في نفس الواقع ، وظرف الدهر ، مرة واحدة دهرية ، لا دفعة واحدة آنية ، فإنّ الآن طرف الزمان ، وحصوله بعد حصول الزمان ، فكيف يكون جعله فيه؟ وحصول الزمان أيضا بعد حصول أصول الموجودات وعظائمها ودعائمها ، فكيف يكون جعل الموجودات كلّها في زمان ، أو آن؟
فوجود المبدعات إنّما هو في أصل الواقع ، وحصول الكائنات في أوقاتها الخاصة الّتي هي أجزاء الزمان الموجود ، وكلّه بامتداده في نفس الدهر دفعة واحدة ، فالتغيّرات والتعاقبات بين الزمانيات بسبب امتداد الزمان الّذي هو بذاته متجدد ، وبحسب مقايسة بعضها إلى بعض ، لا بالنسبة إلى من يتعاظم عن الوقوع في تغير.
فجاف القلم بالنسبة إلى الواقع ، وظرف الدهر ، وتجدّد الشؤون في أجزاء الزمان ، وبمقايسة بعض الزمانيات إلى بعض ، لا أنّ الصنع والتكوين في حدّ من
__________________
(١) ـ سورة النحل ، الآية ٧٧. وفي آية أخرى (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ). سورة القمر ، الآية ٥٠.