العالم في بقائه إلى الإمداد الوجودي الأحدي ، مع الآنات ، من دون فترة ، ولا انقطاع ؛ إذ لو انقطع الإمداد المذكور طرفة عين لفني العالم دفعة واحدة ، فإنّ الحكم العدمي لازم للممكن ، والوجود عارض له من موجده (١).
وقال أيضا : العالم بمجموعه متغيّر أبدا ، وكلّ متغيّر يتبدّل تعيّنه مع الآنات ، فيوجد في كلّ آن متعيّن غير المتعيّن الّذي هو في الآن الآخر ، مع أن العين الواحدة الّتي تطرأ عليها هذه التغيّرات بحالها ، فالعين الواحدة هي حقيقة الحقّ المتعيّنة بالتعيّن الأوّل اللازم لعلمه بذاته ، وهي عين الجوهر المعقول الّذي قبل هذه الصورة المسمّاة عالما ، ومجموع الصور أعراض طارئة ، متبدّلة في كلّ آن ، والمحجوبون لا يعرفون ذلك ، فهم في ليس من هذا التجدّد الدائم في الكلّ.
وأمّا أهل الكشف فإنهم يرون أنّ الله يتجلّى في كلّ نفس ، ولا يتكرّر التجلّي ، فإنّ ما يوجب البقاء غير ما يوجب الفناء ، وفي كلّ آن يحصل الفناء ، والبقاء ، والتجلّي (٢) غير مكرّر.
ويرون ـ أيضا ـ أن كلّ تجلّ يعطي خلقا جديدا ، ويذهب بخلق ، فذهابه هو الفناء عند التجلّي ، الموجب للفناء والبقاء لما يعطيه التجلّي الآخر الموجب للبقاء بالخلق الجديد ، ولمّا كان هذا الخلق من جنس ما كان أوّلا ، التبس على المحجوبين ، ولم يشعروا التجدّد ، وذهاب ما كان حاصلا بالفناء في الحقّ ؛ لأنّ كلّ تجلّ يعطي خلقا جديدا ، ويفنى في الوجود الحقيقي ما كان حاصلا.
ويظهر هذا المعنى في النار المشتعلة من الدهن والفتيلة ، فإنه في كلّ آن يدخل منهما شيء في تلك النارية ، ويتّصف بالصفة النورية ، ثمّ تذهب تلك
__________________
(١) ـ نقد النصوص : ٢٢٥.
(٢) ـ في المصدر : فالتجلي.