فهمه من هذه الحيثية ، وإن كان هو هو من حيث الافتقار إلى الفاعل والمحدث ، فإنه من هذه الحيثية يرجع إلى المعنى الأوّل.
فصل
قد تصدّى بعض سادات أفاضل زماننا لإثبات حدوث العالم ، وجعل له معنى آخر سمّاه حدوثا دهريا ، وسمّى تأخّره عن الحقّ تأخّرا انفكاكيا دهريا ، آخذا من قول الأوائل أنّ نسبة المتغيّر إلى المتغيّر ، الزمان ، ونسبة المتغيّر إلى الثابت ، الدهر ، ونسبة الثابت إلى الثابت ، السرمد.
واستدلّ عليه : بأن تقدّم ذات العلّة ـ ولا سيما العلة الجاعلة الفاعلة ـ على ذات المجعول المعلول تقدّما بالذات ، بحسب المرتبة العقلية ، من فطريّات العقول الصريحة ، والأذهان المستوية ، وعليه إجماع الحكماء والعقلاء كافّة ، والمعلول لا يكون موجودا في مرتبة ذات العلة الفاعلة الجاعلة ؛ إذ الوجود يصل إلى ذات المعلول من ذات العلة ، وإنما يكون بين العلّة والمعلول معيّة في الوجود بحسب مرتبة ذات المعلول ، وبحسب متن الأعيان ، لا بحسب مرتبة ذات العالم ، فالعالم الأكبر بجميع أجزاء نظامه الجملي؟ متأخّر عن مرتبة ذات الباري الفعّال جلّ ذكره بتّة.
وإذ تبيّن أن الوجود الأصيل في متن الأعيان عين ماهية الباري الحق ، ونفس حقيقته، فالمرتبة العقلية وحاق الوجود العيني هناك واحد ، وموجوديّته سبحانه في حاق كبد الأعيان ، ومتن خارج الأذهان ، هي بعينها المرتبة العقلية لذاته الحقّ من كلّ جهة ، فالموجودية المتأصّلة في حاق الأعيان ومتن الخارج في العالم الربوبي بمنزلة مرتبة ذات الإنسان ، أو ماهية العقل ـ مثلا ـ من حيث