لكن المتوسّطين على مراتبهم أغلب وأوفر ، وإذا ضمّ إليهم الطرف الأعلى صار لأهل النجاة غلبة عظيمة ، فإنّ حال النفوس في انقسامها إلى هذه الأقسام كحال الأبدان في انقسامها إلى البالغ في الجمال والصحّة ، والمتوسّط ، وهو الأكثر ، والقبيح السقيم ، وهو أقل من المتوسّط ، فضلا عن مجموع القسمين.
سؤال : كلّ ما يجوز صدوره عن الباري عزوجل يجب وقوعه ؛ لعدم البخل والمنع هناك ، فقد كان جائزا أن يصدر عنه تعالى خير محض ، مبرء عن الشرّ أصلا.
جواب : هذا واجب في مطلق الوجود ، لا في كلّ وجود ، فقد أوجد ما أمكن أن يوجد على الوجه المذكور ، فلو لم يوجد ما لا يخلو عن شرّ ما لكان الشرّ ـ حينئذ ـ أعظم.
سؤال : لم لم يوجد القسم الثاني بلا قصور وآفة؟
جواب : فلم يكن هوهو ، ورجع إلى القسم الأوّل ، وقد فرغ عن وجوده.
ولو كانت الماهيات كلّها بريئة عن الشرور الّتي هي لوازم لها ، لكانت الماهيات واحدة ، ومن المحال أن تكون النار نارا ولا يوجد لها لازم النارية ، من إحراق ثوب لاقته ، إلّا أن لا يكون الثوب ثوبا ، بل شيئا آخر لا تحرقه النار.
وقد مرّ الكلام في أمثال هذه المباحث في مباحث كيفية إفاضة الوجود.