غاية تقبل العقل المستفاد الّذي يضاهي الملكوت الأعلى في الشرف والكمال؟
فقد ظهر أن كلّ ما تقتضيه حكمته تعالى وفيضه كان حسنا وخيرا ، ومن ظنّ أنه شرّ كان ذلك لخلل في عقله ، وقصور في فهمه ، فلا شرّ في النظر إلّا وهو خير من جهات أخرى ، لا يعلمها إلّا منشؤها وموجدها.
فإذن تصور ذرّة الشرّ في أشعة شمس الخير لا يضرّها ، بل يزيدها بهاء ، وجمالا ، وضياء ، وكمالا ، كالشامة السوداء على الصورة المليحة البيضاء ، تزيدها حسنا وملاحة ، وإشراقا ، وصباحة ، فسبحان من تقدّست كبرياؤه عن تقصير الأفعال ، وجلّ جنابه عن أمثال هذا الخيال المحال.
سؤال : إنّ أكثر أفراد الإنسان الّذي هو أشرف أنواع القسم الأخير ، يغلب عليهم الشرور ، فإنّ مناط تحصيل السعادة والشقاوة الآجلتين اللتين تستحقر بالقياس إليهما السعادة والشقاوة العاجلتان للنفس ، إنّما هو باستعمال قواها الثلاثة : النطقية ، والشهوية ، والغضبية ، لاكتساب ما ينبغي أن يكون بحسبها من الحكمة ، والعفّة ، والشجاعة.
والغالب على أكثرهم على ما يرى أضداد هذه الأمور ، أعني الجهل وطاعة الشهوة والغضب ، فيلزم كونهم من الأشقياء والأشرار في الآجل.
جواب : الجهل الّذي لا نجاة معه في الآخرة هو الجهل المركّب ، الراسخ ، المضادّ للعلم اليقيني ، وهو نادر ، كوجود اليقين الّذي يوجب قسطا وافرا من السعادة.
وأمّا الجهل البسيط الّذي هو عام ، فاش ، فلا يضرّ في المعاد ، وكذلك حال القوّتين الآخرتين.
فالبالغ في فضيلة العقل والخلق وإن كان نادرا ، كالشديد النزول فيهما ،