والشرف ، فإنّه ـ لا محالة ـ يعشقه بغريزته ، ويطلبه بطبعه ، لا سيّما إذا كان ذلك الشيء يفيده خاصّ الوجود ، ويخرجه من القوّة إلى الفعل ، مثل عشق الحيوان لما يغذوه ، ويتقوّت به ، ويفيده تجسّما وتعظّما مقداريا ، وعشق الإنسان لما يفيده صورا عقلية يتقوى به جوهره الناطق ، ويحيط بالحقائق ، ويصير ملكا من المقرّبين بعد ما كان ناقصا في مرتبة السافلين ، ولو لا أنّ الخيرية بذاتها معشوقة لما اقتصرت الهمم على إيثار الخير في جميع التصرّفات.
ولنفصّل هذا الإجمال ، ونبيّن كيفية سريان العشق والشوق في كلّ واحد واحد من الموجودات ، فاسمع :
فصل
قد دريت أن الوجود حقيقة واحدة ، وأنه عين الشعور والحياة في كلّ شيء ، وأن كلّ موجود سوى الله عزوجل فهو ناقص من وجه ، وفيه قوّة ، وفقد ، كما أن له كمالا وفعلية ؛ إذ كلّ ممكن فهو زوج تركيبي ، فكلّ موجود فهو لأجل شعوره بالوجود الناقص طالب للوجود المطلق الكامل الّذي هو مطلوب ومؤثّر بالذات أولا وبالذات ، ولكلّ ما يتوسّط بينه وبين ذلك الوجود ممّا هو أعلى منه وأقرب إلى ذلك الوجود من الخيرات ثانيا وبالعرض ؛ لأنّ الوصول إليه لا يمكن له إلّا بوصوله إليها ومروره عليها ؛ إذ سلوك طريقه منحصر في ذلك ؛ لما دريت أن الموجودات مترتبة في الصدور بدء وعودا ، ما تقدّم متقدّم ، ولا تأخّر متأخّر ، إلّا بالحق.
فكل موجود فهو طالب لما هو فوقه ، فإذا وصل إليه فيطلب ما هو أعلى منه ، وهكذا إلى أن يصل إلى معشوقه الحقيقي الّذي لا أكمل منه ، وهو الله