سبحانه ، وعند ذلك يطمئن قلبه ، ويسكن شوقه ، ويشتدّ عشقه وابتهاجه ؛ وذلك أن الشوق هو الحركة إلى تتميم الابتهاج ، فإنّ كلّ مشتاق إلى مرغوب فإنه قد نال شيئا منه ، وفاته شيء ، وفي هذا سرّ عظيم لأرباب الذوق والعرفان ، نبوح بلمعة منه ، فاستمع :
وصل
إن كلّ مشتاق ـ من حيث كونه مشتاقا ـ فهو من جملة المشتاق إليه ، فإنّ الظمآن يتصور أولا الريّ ، فيحصل له ذلك حصولا ضعيفا ، فهو يوجب طلبه على أتمّ وجه ، فالريّان يشتاق الرّيان ويطلبه ، وهكذا كلّ ذي طلب لا يطلب إلّا ما هو تمام حقيقته ، وكمال ذاته ، فافهم ذلك إن كنت من أهله.
وصل
وبالجملة : فالشوق يصحبه قصور ، وأمّا العشق فقد يتقدّس ويتعالى عن الشوائب ، بل هو يزداد بازدياد الخيريّة ، واشتداد الوجود ، واستحقاق المعشوقية من المعشوق ، وقوّة الشعور والإدراك من العاشق.
والشوق أيضا ، وإن كان يزداد ويقوى بحسب قوّة الشعور من المشتاق ، والقرب من المشتاق إليه ، لكنه يقوى أيضا بحسب نقصان الوجود ، وضعف الشعور من المشتاق ، وقوّة الوجود وشدّته وعدّته في المشتاق إليه.
فكما أن كلّ ما هو أكمل وجودا ، وأتمّ شعورا ، فهو أشدّ شوقا بالاعتبار الأوّل ، فكلّ ما هو أنقص وجودا ، وأضعف شعورا ، فهو أشدّ شوقا بالاعتبار الثاني. وهذا بخلاف العشق.