وصل
إذا ثبت هذا ، فنقول : المادّة الأولى في غاية الشوق ؛ لأنها بإزاء ما يقوى عليه من الصور والخيرات الغير المتناهية ، الّتي هي باعتبار ما غايات لوجودها ، وخيرات لاحقة بها ، ومكملات لنقصاناتها ، وإن حصلت لا دفعة ، بل في أزمنة غير متناهية.
وتلك الكمالات من سنخ ما حصل لها شيء قليل ضعيف ، وإن كان مجرّد قوّة تلك الخيرات واستعدادها مع قطع النظر عن اتصال صورة بها ، واتّحادها معها ؛ لأنّ فقد ما يمكن حصوله من الأمر الكمالي بشيء ما له شعور ضعيف يوجب شوقا ما إلى ذلك الأمر ، فهي دائمة النزاع إلى الصورة مفقودة ، والتنوّع بها موجودة ، ولذلك تلقاها متى عريت عن صورة بادرت إلى الاستبدال عنها بصورة أخرى ؛ إشفاقا عن ملازمة العدم المطلق ؛ إذ كلّ موجود فهو نافر بطبعه عن العدم ، فالمادّة تنفر عن العدم ، فمهما كانت ذات صورة لم يقم فيها سوى العدم الإضافي ، ولو لاها للابسها العدم المطلق ، فهي ـ إذن ـ كالمرأة الدميمة المشفقة عن استعلان قبحها ، فمهما انكشف قناعها غطت دمامتها بالكم.
فقد تقرّر أنّ فيها عشقا وشوقا غريزيا ، بمعنى أنّ لها قوّة العشق والشوق ، وقبولهما ، كما أن لها قوّة الوجود والشعور ، وقبولهما ، لا أنها مشتاقة ، أو عاشقة بالفعل إلى شيء ، وإلّا لكانت وجودا بالفعل ، وصورة ، لا قوّة للوجود ، وهيولى ، فافهم.