فصل
وأمّا الصورة الجسمية ، فهي أيضا لها شوق وعشق بالنسبة إلى الخير المطلق ، وبتوسّطه إلى الطبائع بقدر شعورها وحيويتها ووجودها ، وقد دريت أن نسبتها إلى الطبائع كنسبة المادّة الأولى إليها بعينها ، فكذلك حكمها في العشق والشوق بعينه حكمها ، بل عشقها أشدّ من عشق المادّة وشوقها أيضا ، باعتبار دون اعتبار.
وكذلك حال الطبائع والقوى بالنسبة إلى النفوس ، والطبيعة لما كانت تحسّن بالفناء والاضمحلال ، صارت جذّابة للنفس إليها ، حائلة بينها وبين معالي الأمور ، مخافة أن تبطل وتضمحلّ ، وهذا أيضا لحكمة ومصلحة من الله سبحانه في اشتغال النفس برهة من الزمان لتدبير عالم الطبيعة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
سؤال : بم يعرف وجود العشق ، فيما ذكرت؟ وهل لذلك من علامة يعرف بها؟
جواب : نعم ، إنّ له علامة ، وهي انقياد السافل للعالي ، وخضوعه له خضوعا جبلّيا ، وطاعته إياه ، وعبادته عبادة ذاتية من غير تمرّد ، ولا عصيان ، مع كونه ذا شعور ما.
ألا ترى إلى المادّة الأولى كيف هي تحت سلطنة الصورة ، تقلّبها كيف تشاء ، وهي مطيعة إيّاها ، ذليلة عندها ، وكذا الصورة بالنسبة إلى الطبيعة ، وكذا الطبائع والقوى بالنسبة إلى النفس ، فإنّها خادمة لها ، لا يستنكفون عن عبادتها ،