والعارفون بالله لم يسمعوا شعرا ، ولا لغزا ، ولا غزلا ، إلّا فيه من خلف حجاب العبودية ، فإنّ الحب سببه الجمال ، وهو له ؛ لأنّ الجمال محبوب لذاته ، والله جميل ، يحبّ الجمال ، فيحبّ نفسه.
وسببه الآخر الإحسان ، وما ثمّ إحسان إلّا من الله ، ولا محسن إلّا الله ، فإن أحببت للجمال فما أحببت إلّا الله ؛ لأنّه الجميل ، وإن أحببت للإحسان ، فما أحببت إلّا الله ؛ لأنّه المحسن ، فعلى كلّ وجه ما متعلّق المحبّة إلّا الله (١).
فصل
وليعلم أن النفس النطقية ، والحيوانية أيضا بجوار النطقية ، أبدا تعشقان كلّ شيء حسن النظم والتأليف والاعتدال ، مثل المسموعات الموزونة وزنا متناسبا ، والمذوقات المركّبة من أطعمة مختلفة بحسب التناسب ، وما شابه ذلك.
أما النفس الحيوانية فبنوع تقليد طبيعي ، وأمّا النفس الناطقة فإنّها إذا سعدت بتصوّر المعاني الغالبة على الطبيعة ، وعرفت أن كلّ ما قرب من المعشوق الأوّل فهو أقوم نظاما ، وأحسن اعتدالا ، وبالعكس ، إذ ما يليه أفوز بالوحدة وتوابعها ، كالاعتدال والاتفاق ، وما يبعد عنه أقرب إلى الكثرة وتوابعها ، كالتفاوت والاختلاف ، على ما أوضحه الإلهيّون.
فمهما ظفر بشيء حسن التركيب لاحظه بعين المقة ويلتذّ به ، ولمّا كانت لذّته رشحا للذّة أمر عقلي ذاتا ، أو صفة ، أعني ربّ نوعه الّذي هو من عالم العقل ، كما أن وجوده تابع لوجوده ، وكانت آثار الجواهر العقلية في هوية
__________________
(١) ـ أنظر : الفتوحات المكية : ٢ : ٣٢٦.