الإنسان الطبيعي لكونه تامّ الخلقة أكثر ، كان الالتذاذ به أكثر من سائر المركّبات والبسائط الطبيعية.
فصل
والعلّة في كون حدث السنّ من أهل الزينة والجمال مرغوبا مشتهى ، دون الممعن في السنّ منهم ، أن الإنسان متقلّب الهوية في درجات الوجود ؛ لأنّ وجوده في أوّل الأمر بالقوة، ثمّ في مقام الطبيعة ، ثمّ في مقام الحسّ ، ثمّ في مقام النفس ، على مراتبها ، ثمّ في مقام العقل على درجاته.
وهذه اللّذات الشهوية أكثرها حسّية محضة ، أو نفسانية ممزوجة بآثار الطبع ، ولهذا يتعلّق الميل الشهوي بأوائل وجود الإنسان الجميل ، دون ثوانيه ، وأواخره ، سيّما وقد يحدث فيها من ذمائم الصفات ما يحدث في مقام النفس ، ويسري حكمها من الباطن إلى الظاهر.
وقد تجتمع هذه النشآت في شخص واحد ، طالب ، أو مطلوب ، فيلتذّ رجل واحد من صحبة الأحداث والنسوان ، وأهل الطرب ، والرقص ، والغناء ، بحصة طبيعته وحسّه ، ومن صحبة الظرفاء والشعراء ، وأهل الصناعات والعلوم الجزئية ، بحصّة نفسه وخياله ، ومن صحبة الحكماء الكاملين ، وأهل التقوى والزهادة ، بحصّة عقله وروحه.
فصل
وأمّا الحكمة في ذلك ، فهي أن الأطفال والصبيان لمّا استغنوا عن تربية الآباء والأمّهات ، فهم بعد محتاجون إلى تعليم الاستاذ من المعلّمين لهم العلوم