وسيلة إلى الرفعة ، والزيادة في الخيرية ، لولهه لما هو أقرب في التأثير من المؤثر الأوّل ، والمعشوق المحض ، وأشبه بالأمور العالية الشريفة ، وذلك ممّا يؤهّله لأن يكون ظريفا ، وفتى لطيفا ؛ ولذلك لا يكاد أهل الفطنة من الظرفاء والحكماء ، ممّن لا يسلك طريقة المتعفّفين ، يوجد خاليا عن شغل قلب بصور حسنة إنسانية ؛ وذلك أن الإنسان مع ما فيه من زيادة فضيلة الإنسانية إذا وجد فائزا بفضيلة اعتدال الصورة الّتي هي مستفادة من تقويم الطبيعة ، واعتدالها ، بظهور أثر إلهي فيه جدّا ، استحقّ لأن ينحل من ثمرة الفؤاد مخزونها ، ومن صفر صفاء الوداد طيبه.
ومبدأ هذا العشق مشاكلة نفس العاشق لنفس المعشوق في الجوهر ، وعلامته أن يكون أكثر إعجابه بشمائل المعشوق ، وجودة تركيبه ، واعتدال مزاجه ، وحسن أخلاقه ، وتناسب حركاته ، وأفعاله ، وغنجه ، ودلاله ؛ لأنها آثار صادرة عن نفسه ، وهو يجعل نفس العاشق ليّنة شيّقة ، ذات وجد ورقّة ، منقطعة عن الشواغل الدنياوية ، معرضة عمّا سوى معشوقه ، جاعلة جميع الهموم همّا واحدا ، ولذلك يكون الإقبال على المعشوق الحقيقي أسهل على صاحبه من غيره ، فإنه لا يحتاج إلى الإعراض عن أشياء كثيرة ، وإليه أشار من قال : من عشق وعفّ ، وكتم ، ومات ، مات شهيدا (١).
وقيل : العشق العفيف أدنى سبب في تلطيف النفس ، وتنوير القلب ، إلّا أن ذلك أيضا إنّما يكون للمتوسّطين من الناس الّذين لم يشتغلوا بعد بالله سبحانه ، فإنّ من اشتغل بالله لم يشغله شيء عنه ، جلّ ذكره ، ولذلك لما سئل مولانا الصادق عليهالسلام عن العشق ، فقال : «قلوب خلت من ذكر الله ، فأذاقها الله حبّ
__________________
(١) ـ تاريخ بغداد : ١٣ : ١٨٥ ، ح ٧١٦٠ ، وفيه «ثم مات» بدل «ومات».