غيره» (١).
وقال أستاذنا ـ دام ظلّه ـ : إن هذا العشق وإن كان معدودا من جملة الفضائل ، إلّا أنه من الفضائل الّتي يتوسّط الموصوف بها بين العقل المفارق المحض ، وبين النفس الحيوانية ، ومثل هذه الفضائل لا تكون محمودة شريفة على الإطلاق في كلّ وقت ، وعلى كلّ حال من الأحوال ، وفي كلّ أحد من الناس ، بل ينبغي استعمال هذه المحبّة في أواسط السلوك العرفاني ، وفي حال ترقيق النفس وتنبيهها عن نوم الغفلة ، ورقدة الطبيعة ، وإخراجها عن بحر الشهوات الحيوانية.
وأمّا عند استكمال النفس بالعلوم الإلهية ، وصيرورتها عقلا بالفعل ، محيطا بالعلوم الكلية ، ذا ملكة الاتّصال بعالم القدس ، فلا ينبغي لها عند ذلك الاشتغال بعشق هذه الصورة المحسنة اللخمية ، والشمائل اللطيفة البشرية ؛ لأنّ مقامها صار أرفع من هذا المقام ، ولهذا قيل : المجاز قنطرة الحقيقة ، وإذا وقع العبور من القنطرة إلى عالم الحقيقة ، فالرجوع إلى ما وقع العبور عنه تارة أخرى يكون قبيحا ، معدودا من الرذائل.
ولا يبعد أن يكون اختلاف الأوائل في مدح العشق وذمّه ، من هذا السبب الذي ذكرناه ، أو من جهة أنه يشتبه العشق العفيف النفساني الّذي منشؤه لطافة النفس ، واستحسانها ، لتناسب الأعضاء ، واعتدال المزاج ، وحسن الأشكال ، وجودة التركيب بالشهوة البهيمية الّتي منشؤها إفراط القوّة الشهوانية.
وأمّا الّذين ذهبوا إلى أن هذا العشق من فعل البطّالين الفارغي الهمم ، فلأنّهم لا خبرة لهم بالأمور الخفيّة ، والأسرار اللطيفة ، ولا يعرفون من الأمور إلّا
__________________
(١) ـ أمالي الصدوق : ٦٦٨ ، ح ٣.