ما تجلّى للحواس [وظهر للمشاعر الظاهرة] (١) ، ولم يعلموا أن الله لم يخلق شيئا في جبلّة النفوس إلّا لحكمة جليلة ، وغاية عظيمة (٢).
فصل
ثم إنّ عشق الصور الحسّية من الإنسان قد تتبعه أمور ثلاثة :
أحدها : حبّ معانقته.
والثاني : حبّ تقبيله.
والثالث : حبّ مباضعته.
فأما حبّ المباضعة ، فمهما تأمّل فيما سبق تيقّن عنده أن هذا العشق ليس إلّا خاصّا بالنفس الحيوانية ، وإن حصّتها فيه أنها فيه على مقام الشريك ، بل المستخدم لا على مقام الآلة ، وذلك قبيح جدا ، بل أنّى تخلص العشق النطقي ما لم تنقمع القوّة الحيوانية ، غاية الانقماع ، ولذلك بالحري أن يتّهم العاشق إذا راود معشوقه بهذه الحاجة. اللهمّ إلّا أن تكون هذه الحاجة منه بضرب نطقي ، يعني إن قصد به توليد المثل ، وذلك في الذكر من الناس محال ، وفي الأنثى المحرمة في الشرع قبيح ، بل لا ينساغ هذا القصد ، ولا يستحسن إلّا للرجل في امرأته ، أو مملوكته.
وأمّا المعانقة والتقبيل ، فإذا كان الغرض فيهما هو التقارب والاتّحاد ؛ وذلك لأنّ النفس تودّ أن تنال معشوقها بحسّها اللمسي ، نيلها بحسّها البصري ،
__________________
(١) ـ ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.
(٢) ـ الأسفار الأربعة : ٧ : ١٧٥.