فتشتاق إلى معانقته ، وتنزع إلى أن يختلط سهم مبدأ الأفاعيل النفسانية ، وهو القلب ، بسهم مثله من المعشوق ، فتشتاق إلى تقبيله ، فليسا بمنكرين في ذاتيهما ، لكن استتباعهما بالعرض أمورا شهوانية فاحشة توجب التوقي عنهما ، إلّا إذا تيقّن من ميولهما خمود الشهوة والبراءة من البهيمية ، ولذلك لم يستنكر تقبيل الأولاد ، وإن كان مبدؤه مزعجا لتلك ؛ إذ كان الغرض فيه التداني والاتحاد ، لا الهمّ على فحش ، أو فساد.
فصل
إنّ مبدأ العشق وأوّله نظرة ، أو التفات نحو شخص من الأشخاص ، فيكون مثلها كمثل حبّة زرعت ، أو غصن غرس ، أو نطفة سقطت في الرحم ، ثمّ يكون ما باقي النظرات واللحظات بمنزلة ماء ينصبّ إلى هناك ، ويزيد وينشأ وينمو على ممرّ الأيام ، إلى أن يصير شجرة ، أو جسما ، وذلك أنّ أوّل همّة العاشق ومناه هو الدنوّ منه ، والقرب من ذلك الشخص ، فإذا اتّفق ذلك سهل تمنّي الخلوة والمحاورة ، فإذا سهل ذلك تمنّى المعانقة والقبلة ، فإن سهل ذلك تمنّى الدخول في ثوب واحد ، والالتزام بجميع الجوارح أكثر ما يمكن، ومع هذه كلّها الشوق بحاله لم ينقص شيئا ، بل ازداد ، كما قال قائلها :
أعانقها والنفس بعد مشوقة |
|
إليها وهل بعد العناق تداني |
وألثم فاها كي تزول حرارتي |
|
فيزداد ما ألقى من الهيجان |
فإنّ فؤادي ليس يشفي غليله |
|
سوى أن يرى الروحين يتّحدان |