فصل
قيل : إذا تعانق العاشق والمعشوق جميعا ، وامتص كلّ واحد منهما ريق صاحبه ، وبلعه ، وصلت تلك الرطوبة إلى معدة كلّ واحد منهما ، وامتزجت هناك مع رطوبات المعدة، ووصلت إلى جرم الكبد ، واختلطت بأجزاء الدم هناك ، وانتشر في العروق الواردة إلى سائر أطراف الجسد ، فاختلط بجميع أجزاء البدن ، فصار لحما ، ودما ، وعروقا ، وعصبا ، وما شاكل ذلك.
وهكذا أيضا إذا تنفّس كلّ واحد منهما في وجه صاحبه ، خرج مع تلك الأنفاس شيء من نسيم روح كلّ واحد منهما ، واختلط بأجزاء الهواء ، فإذا استنشقا من ذلك الهواء دخل إلى خياشيمهما من أجزاء ذلك النسيم مع الهواء المستنشق ، ووصل بعضه إلى مقدّم الدماغ ، وسرى فيه كسريان النور في جرم البلور ، فاستلذّ كلّ واحد منهما ذلك النسيم.
ووصل أيضا أجزاء ذلك الهواء المستنشق إلى جرم الرئة في الحلقوم ، وما شاكل ذلك من أجزاء الجسد ، وانعقد في بدن هذا ما تحلّل من جسد هذا ، وفي جسد هذا ما تحلّل من بدن هذا ، فيكون من ذلك ضروبا من الامتزاجات ، ومن تلك الأمزجة ضروب الأخلاط ، كلّ ذلك بحسب أمزجة أبدانهما.
ومن شأن النفس أن تتبع مزاج الجسد في إظهار أفعالها وأخلاقها ؛ لأنّ مزاج الجسد وأعضاء البدن ومفاصله للنفس بمنزلة الآلات والأدوات للصانع الحكيم ، يظهر بها ، ومنها أفعاله ، فلهذه الأسباب والعلل الّتي ذكرناها يتولد العشق والمحبّة على ممرّ الأيام بين المتحابّين، وينشأ وينمو.