فأما الّذي يتغيّر من المحبة وينفد بعد التأكيد فلأسباب يطول شرحها.
وكلّ محبّ لشيء من الأشياء مشتاق إليه ، هائم به ، متى وصل إليه ونال ما يهواه منه ، وبلغ حاجته من الاستمتاع والتلذّذ بقربه ، فإنّه لا بدّ يوما أن يفارقه ، أو يمله ، أو يتغيّر عليه ، وتذهب تلك الحلاوة ، وتتلاشى تلك البشاشة ، ويخمد لهب ذلك الاشتياق والهيمان ، إلّا المحبّين لله تعالى من المؤمنين والمشتاقين إليه من عباده وأوليائه الصالحين ، فإنّ لهم في كلّ يوم من محبوبهم قربة ومزيدا أبد الآبدين ، بلا نهاية ، ولا غاية.
أقول : وإلى هذا أشير بقوله عزوجل : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (١).
وقال مولانا الصادق عليهالسلام : «ألا كلّ خلّة كانت في الدنيا في غير الله ، فإنّها تصير عداوة يوم القيامة» (٢).
فصل
وأمّا النفوس الفلكية ، فقد مرّ أنهم عشّاق لله ، مشتاقون إليه ، دائرون حول جنابه ، قد نالوا نيلا من حيث التفاتهم لفتة ، وعشقهم بما لديه ، وحجبوا عنه حجابا من حيث هواهم إلى عالم الطبع ، فيكون لهم ضرب من الشقاوة الضرورية ، إلّا أنه تنجبر في كلّ دهرهم لأجل استكمالهم التدريجي ، وخروجهم من القوّة إلى الفعل ، فيما ليس لهم من الكمال اللائق بحالهم ، فعند حصوله يحصل
__________________
(١) ـ سورة الزخرف ، الآية ٦٧.
(٢) ـ تفسير القمّي : ٢ : ٢٨٧.