لهم القرب والمنزلة عند الله ، وتكون لهم بهجة جديدة بحسبها ، وبقدر ما يكون بالقوّة لها شوق ، والشوق لا يخلو عن أذى ، إلّا أن الأذى إذا كان من جهة معشوق نيل منه شيء عظيم ، وبقي شيء يسير ، يكون لذيذا.
وقد مثّلوا ذلك بالدغدغة ؛ لأنها مركّبة من لذّة وألم ، فهم واجدون في عين الحرمان ، واصلون حين الفرقان ، فلا محالة يغشاهم نوع دهشة وحيرة ، ويتأذّون أذى لذيذا ، لكونه من قبل أرحم الراحمين ، ومعشوق العالمين.
وهاتان الجهتان فيهم بإزاء الرجاء والخوف في الإنسان العالم الصالح.
فصل
وأمّا العقول المقدّسة فهم العشّاق بالحقيقة ؛ لأنّ ابتهاجهم به سبحانه لا غير ، وأمّا ابتهاجهم بذواتهم فليس من حيث هم هم ، بل من حيث كونهم مبتهجين به ؛ لأنهم إنّما يعرفون أنفسهم بالله سبحانه ، وكونهم عبيدا وخدما له ، مسخّرين ، فلذّتهم أيضا بذاته ، فهم على الدوام في مطالعة ذلك الجمال ، لا يرتدّ إلى أنفسهم طرفهم طرفة عين ؛ لاستهلاكهم في ذات الحبيب الأوّل.
ونحن نلتذّ بإدراك روائح الحقّ في أوقات متفرّقة من أيام دهرنا ، ما لا تقدر الألسن وصفها ، ونحن مصروفون عنه ، مردودون في قضاء حاجات ، منغمسون في تدبير الطبيعة البدنية ، إذا تعرّضنا على سبيل الاختلاس لنفحات الله في زمان قليل جدّا تكون كسعادة عجيبة.
وهذه الحالة للمقرّبين أبدا من غير مشوّش ، فكيف بهجتهم وسعادتهم؟ وكيف من بهّجهم وأسعدهم ، تعالى شأنه؟