فصل
ولمّا كانت العبادة متسبّبة عن العشق ، كما أشرنا إليه ، فإنّ العاشق عابد لمعشوقه لا محالة ؛ إذ العبادة ليست إلّا الإطاعة والانقياد ، وصرف الهمّة نحو الشيء ، وذلك إنّما يكون بالعشق ، أو يرجع إليه ، بل ورد في الحديث : «من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان ينطق عن الله فقد عبد الله ، وإن كان ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان» (١).
وكذلك الذكر متسبّب عن الشعور البسيط ، وقد تبيّن لك أنّ جميع الموجودات ذوات عشق وشعور ينتهيان إلى الله سبحانه ، فكلّهم عابدون له ، جلّ جلاله ، مطيعون إيّاه ، كما أنّهم عاشقون له ، شائقون إليه ، ولهم دين فطريّ ، جبلّية له لا يتصوّر فيها عصيان أصلا ، فلكلّ وجهة هو مولّيها ، يحنّ إليها ويقتبس بنار الشوق نور الوصول لديها ، وإليه أشير له بقوله عزوجل : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (٢).
قال صاحب الفتوحات : خلق الله الخلق ليسبّحوه ، فنطقهم بالتسبيح له ، والثناء عليه ، والسجود له ، فقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) (٣).
وقال أيضا : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
__________________
(١) ـ الكافي : ٦ : ٤٣٤ ، ح ٢٤ ، مع اختلاف يسير.
(٢) ـ سورة الإسراء ، الآية ٤٤.
(٣) ـ سورة النور ، الآية ٤١.