وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) (١).
وخاطب بهاتين الآيتين نبيّه الّذي أشهده ذلك ، ورآه ، فقال : «ألم تر» ، ولم يقل: «ألم تروا» ، فإنّا ما رأيناه ، فهو لنا إيمان ، ولمحمّد عيان ، فأشهده سجود كلّ شيء ، وتواضعه لله ، وكلّ من أشهده الله ذلك ورآه دخل تحت هذا الخطاب ، وهذا تسبيح فطري، وسجود ذاتي ، عن تجلّ تجلّى لهم ، فأحبّوه ، فانبعثوا إلى الثناء عليه من غير تكليف ، بل اقتضاء ذاتي.
وهذه هي العبادة الذاتية الّتي أقامهم الله فيها بحكم الاستحقاق الّذي يستحقّه.
وقال في أهل الكشف وعامّة الإنس وكلّ عاقل : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) (٢) ، أخبرهم أنّ ذلك التفيّؤ يمينا وشمالا سجود لله ، وعبودية ، وصغار ، وذلّة لجلاله ، فقال : (سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) ، فوصفهم بتعبّدهم أنفسهم ، حتّى سجدوا لله داخرين.
ثم أخبر فقال متمّما : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) (٣) ، أي من يدبّ عليها ، ثمّ قال : (وَهُمْ) يعني أهل السماوات ، والملائكة ، يعني الّتي ليست في سماء ، ولا أرض (لا يَسْتَكْبِرُونَ) يعني عن عبادتهم ربّهم ، ثمّ وصفهم بالخوف ليعلمنا أنهم عالمون بمن سجدوا له ، ثمّ وصف
__________________
(١) ـ سورة الحج ، الآية ١٨.
(٢) ـ سورة النحل ، الآية ٤٨.
(٣) ـ سورة النحل ، الآية ٤٩.