المأمورين منهم أنهم (يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١).
ثمّ قال في الّذين هم عند ربهم : (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) (٢) أي لا يملّون ، ولا يفترون ، كلّ ذلك يدلّ على أن العالم كلّه في مقام الشهود والعبادة ، ألا كلّ مخلوق له قوّة التفكّر وليس إلّا النفوس الناطقة الإنسانية ، والحيوانية خاصّة ، من حيث أعيان أنفسهم ، لا من حيث هياكلهم ، فإنّ هياكلهم كسائر العالم في التسبيح له والسجود، فأعضاء البدن كلّها مسبّحة ناطقة ، ألا تراها تشهد على النفوس المسخّرة لها يوم القيامة ، من الجلود ، والأيدي ، والأرجل ، والألسنة ، والسّمع ، والبصر ، وجميع القوى ، فالحكم لله العلي الكبير (٣).
وقال في موضع آخر : إنّ المسمّى بالجماد والنبات ، لهم أرواح بطنت عن إدراك غير أهل الكشف إيّاها في العادة ، فلا يحسّ بها مثل ما يحسّها من الحيوان ، فالكلّ عند أهل الكشف حيوان ناطق ، بل حيّ ناطق ، غير أنّ هذا المزاج الخاصّ يسمّى إنسانا ، لا غير ، ونحن زدنا مع الإيمان بالأخبار الكشف ، فقد سمعنا الأحجار تذكر الله ، رؤية عين ، بلسان تسمعه آذاننا منها ، وتخاطبنا مخاطبة العارفين بجلال الله ، ممّا ليس يدركه كلّ إنسان (٤).
وقال في موضع آخر : وليس هذا التسبيح بلسان الحال ، كما يقوله أهل النظر ممّن لا كشف له.
__________________
(١) ـ سورة النحل ، الآية ٥٠.
(٢) ـ سورة فصلت ، الآية ٣٨.
(٣) ـ أنظر : الفتوحات المكية : ٢ : ٣٢٧ و ٣٢٨.
(٤) ـ أنظر : الفتوحات المكية : ١ : ١٤٧.