فصل
قد ظهر من تضاعيف ما ذكرناه : أنّ القوى الأرضية كلّها كالنفوس الفلكية في أنّ الغاية في أفاعيلها ما فوقها ؛ إذ هي لا تحرك المادّة لتحصيل ما تحتها من المزاج وغيره ، وإن كانت هذه تحصل بالتبع اللازم ، بل الغاية في تحريكاتها كونها على أفضل ما يمكن لها ، ليحصل لها التشبّه بما فوقها ، كما في تحريكات نفوس الأفلاك أجرامها بلا تفاوت إلى أن تنتهي سلسلة التشبّهات والاستكمالات إلى الغاية الأخيرة ، والخير الأقصى ، الّذي يسكن عنده السّلّاك ، وتطمئنّ به القلوب ، وهو الله جلّ جلاله.
ومن هنا قيل : لو لا عشق العالي لانطمس السافل ، فالكائنات البائدات ، كالسابقات الباديات.
وفاعل التسكين كالطبيعة الأرضية ، كفاعل التحريك كالقوى السماوية ، في أنّ مطلوبه ليس ما تحته في الوجود ، بل كونه على أحسن ما يمكن في حقّه.
وما أحسن ما قيل : صلّت السماء بدوراتها ، والأرض برجحانها ، والماء بسيلانه ، والمطر بهطلانه ، وقد يصلّى له ، ولا يشعر ، ولذكر الله أكبر.
فالسماوات بسرعة وجدها ، والأرض بفرط سكونها ، لسيّان في هذا الشأن ، ولعمر إلهك لقد اتّصل بالسماء والأرض من لذيذ الخطاب في قوله عز سبحانه : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) (١) ، من مشاهدة جمال القهر ما طربت السماء طربا رقّصها ، فهي بعد في ذلك الرقص والنشاط ، وغشي به على الأرض لقوّة
__________________
(١) ـ سورة فصلت ، الآية ١١.